فصل: الحكم الثاني: في التسلط على الانتفاع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.كتاب العارية:

العارية: تمليك منافع العين بغير عوض. وهي مندوب إليها.
والنظر في أركانها،وأحكامها، وفصل الخصومة فيها.
أما:

.الأركان:

فأربعة:

.الأول: المعير:

ولا يعتبر فيه إلا كونه مالكًا للمنفعة، غير محجور في التبرع، فإن العارية تبرع بالمنافع، فتصح من المستعير والمستأجر.

.الثاني: المستعير:

ولا يعتبر فيه إلا كونه أهلاً للتبرع عليه.

.الثالث: المستعار:

وله شرطان:
الأول: أن يكون منتفعًا به مع بقائه، فلا معنى لإعارة الأطعمة وغيرها من المكيلات والموزونات، وإنما تكون قرضًا، لأنها لا تراد إلا لاستهلاك أعيانها. وكذلك الدنانير والدراهم إذا أخذت ليتصرف فيها.
قال أبو الحسن اللخمي: لو استعيرت لتبقى أعيانها، كالصيرفي يجعلها بين يديه ليرى أنه ذو مال فيقصده البائع والمشتري، أو الرجل يكون عليه دين ويقل ما فيه يديه فيستعيرها لذلك، قال: فهذه تضمن إذا لم تقم البينة على تلفها، ولا تضمن مع الشهادة على ذهابها.
الشرط الثاني: أن يكون الانتفاع مباحًا، فلا تستعار الجواري للاستمتاع. ويكره استخدام الإماء إلا من المحرم أو النسوان، أو لمن لم يبلغ الإصابة من الصبيان. ولا يجوز استخدام أحد الأبوين بالعارية، بل تكون منافعها لهما تلك المدة دون ولدهما. ولا يعار العبد المسلم من الكافر.

.الركن الرابع: ما به تكون الإعارة من قول أو فعل:

وهو كل ما كان من ذلك يدل على تمليك المنفعة بغير عوض. فأما لو قال: أعني بغلامك أو ثورك في حرثي يومًا أو يومين، وأعينك بغلامي أو ثوري يومًا أو يوماً أو يومين؛ فليس بعارية بل ترجع إلى حكم الإجارة، لكن أجازه ابن القاسم ورآه من الرفق.
ولو قال: اغسل هذا الثوب، فهو استعارة لبدنه لأجل العمل، فإن كان الغاسل ممن يعمل بالأجرة اعتيادًا استحقها.
وكل ما كان من هذا القبيل فحكمه حكم الإجارة في الصحة والفساد.
وأما:

.أحكامها:

فأربعة:

.الأول: الضمان.

والعارية في ضمان صاحبها إن تحقق هلاكها من غير تعد ولا تفريط من جانب المستعير إلا أنها نوعان:
نوع يظهر هلاكه ولا يكاد يخفى، كالرباع والحيوان، فهذا النوع يقبل قول المستعير في هلاكه، ما لم يظهر كذبه وإن لم يعلم ذلك إلا بقوله.
والنوع الثاني: يخفى هلاكه ويغاب عليه، وهذا النوع لا يقبل قول المستعير في هلاكه ما لم تقم بينة به، فإن قامت فلا ضمان عليه فيه. وكذلك ما علم أنه يغير سببه كالسوس في الثوب صدقة فيه في كتاب محمد مع يمينه: أنه ما أضاعه ولا أراد فسادًا. قال أبو إسحاق التونسي: وكذلك الفأر على هذا يقرض الثوب.
ووافق أشهب وابن عبد الحكم في النوع الأول، وخالفا في الثاني، فرأيا أنه مضمون على المستعير على كل تقدير، قامت بينة بهلاكه أم لا. وتمسكًا في ذلك بظاهر الحديث، وبأنه قبضها على الضمان فلا ينتقل حكمه.
قال القاضي أبو محمد: والصحيح أنه لا يضمن.
وقال الشيخ أبو إسحاق: العارية مضمونة على مستعيرها حتى يردها إلى معيرها. قال: وإنما تضمن الرقبة، لا ما نقص بالاستعمال المأذون فيه، إن أصيبت أو أصيب شيء منها غير ما أذن في استعماله من النقص بعد القدر الذي أطلق له الاستعمال فيه، ويضمن منها ما كان حيوانًا أو غيره ما لم يكن هلاكه بسبب ظاهر من أسباب السماء لم يكن هو سببه، قال: وفي هذا اختلاف.
واختلف في الانتفاع باشتراط إسقاط الضمان فيما يضم، أو إثباته فيما لا يضمن هل ينتفع به أم لا؟.
والمستعير من المستأجر لا يضمن إلا من حيث يضمن المستعير من المالك. والمستعير من الغاصب يضمن إذا تلفت العارية تحت يده.
فرع:
لو أتى بالسيف المستعار مكسوراً وذكر أنه انكسر في الضرب به، أو الفأس يأتي به مكسوراً ويقول: انكسر في استعماله فيما أذن لي بالعارية في استعماله فيه، فقال ابن القاسم: لا يقبل قوله إلا أن تقوم له بينة في اللقاء بالسيف فيصدق.
وقال سحنون: لا يصدق حتى تقول البينة: إنه ضرب به ضربًا يجوز له.
وقال عيسى: يصدق إذا جاء به مكسوراً، وقد أذن له في العمل به ما لم يمكن إذا عمل به أن ينكسر، مثل السيف والفأس.

.الحكم الثاني: في التسلط على الانتفاع:

وهو بقدر التسليط، فإن أذن له في زراعة الحنطة لم يزرع ما ضرره مثل ضررها أو أدنى، إلا إذا نهاه. ولو أعار الأرض ولم.
يعين صح وزرع فيها ما العادة زرعه فيها. وكذلك الحكم في سائر الأعيان المستعارة.

.الحكم الثالث للعارية: اللزوم.

ومتى كانت إلى أجل معلوم أو كان لها قدر معلوم، كعارية الدابة إلى موضع كذا، أو العبد ليبني بناء أو ليخيط له ثوبًان فهي له لازمة كهبة الرقاب. فإن لم يضرب أجلاً ولا كان لها مدة انقضاء فهي لازمة أيضًا بالقول والقبول، وليس له الرجوع فيها، ويلزمه إبقاؤها مدة ينتفع بها فيها الانتفاع المعتاد بمثلها عند استعارتها.
وقال أشهب: المعير بالخيار في تسليم ذلك أو إمساكه ثم إن سلمه كان له أن يسترده وإن قرب.
وقال القاضي أبو الفرج: أرى ما روي من وجوب العارية بالقول دون الإقباض إنما هو فيما عدا الأرضين.
فرع:
إذا أعار للبناء أو للغرس كان له أن يخرجه بعد فراغ المدة المشترطة أو المعتادة على ما تقدم، وله أن يعطيه ما أنفق وقيل قيمة ما أنفق قبل فراغ المدة المعتادة ويخرجه. وليس له إخراجه في المدة المشترطة.
وروى الدمياطي عن ابن القاسم: إنه ليس له إخراجه قبل فراغ المدة المعتادة، كما في المدة المشترطة. وله بعد فراغ كل واحدة من المدتين أن يدفع له قيمة البناء أو الغرس مقلوعًا إن شاء، أو يأمره بقلع بنيانه وغرسه وإخلاء عرصته من ذلك، اللهم إلا أن يكون ما لا قيمة له من ذلك بعد النقض، فلا يكون للثاني فيه شيء. ثم إذا اختار دفع القيمة فله أن يقتطع أجر القلع وإخلاء العرصة من النقض، ما لم يكن ذلك بغير أجر، أو يلي هو ذلك بنفسه.

.الحكم الرابع: فصل الخصومة:

وفيه فروع:
الأول: إذا قال راكب الدابة لمالكها: أعرتنيها، وقال ربها: بل أجرتكها، فالقول قول المالك مع يمينه، إلا أن يكون ممن لا يشبهه ذلك لعلو قدره وكبر منصبه وغيره، فيكون القول قول الراكب مع يمينه. وكذلك لو تنازع زارع الأرض ومالكها في إعارتها وإجارتها لكان الحكم ما تقدم، وكذلك لو قال: بل غصبتها.
الثاني: إذا اتفقنا على العارية، واختلفا في الموضع الذي وقعت إليه فقال المعير: إلى طرابلس وقال المستعير: إلى مصر، فإن لم يركب أو ركب إلى طرابلس خاصة فالقول قول المعير ويخلف، إذ هو مدعى عليه. وأما إن بلغ مصر فقال ابن القاسم: القول قول المستعير.
وقال أشهب: القول قول المستعير في طرح ضمان الدابة إن هلكت، والقول قول المعير في الكراء، لأنه لا يؤخذ بغير ما أقر به.
الثالث: من بعث رسولاً إلى رجل يعيره دابته إلى برقة، فأعاره، فركبها إلى برقة، فعطبت، فقال المعير: إنما أعرته إلى فلسطين؛ وقال الرسول: بل إلى برقة؛ فشهادة الرسول ها هنا لا تجوز للمستعير ولا عليه، لأنه إنما يشهد على فعل نفسه. ويحلف المستعير: أنه ما استعارها إلا إلى برقة، ويسقط عنه الضمان، ويحلف رب الدابة: ما أعاره إلا إلى فلسطين، ويكن له على المستعير فضل ما بين كراء برقة على كراء فلسطين.
الرابع: لو قال المستعير للرسول: استعر لي دابة فلان إلى برقة؛ فمضى إليه فقال له: يقول لك فلان تعيره دابتك إلى فلسطين فأعاره، فركبها المستعير ولا يدري، فعطبت، فإن أقر الرسول بالكذب فهو ضامن لها، وإن قالت: بذلك أمرني، وأكذب المستعير، فلا يكون. الرسول ها هنا شاهدًا، لأنه خصم والمستعير ضام، إلا أن يأتي ببينة أنه إنما أمره إلى برقة.
وقال غيره: رب الدابة مدع بتضمين المستعير. قال أشهب: يحلف الراكب: ما أمره إلا إلى برقة ويحلف ربها: ما أعارها إلا إلى فلسطين؛ ثم يغرم الراكب كراء ما برقة وفلسطين. ولو أقر الرسول بالتعدي لضمن الدابة لربها.
الخامس: إذا اختلفا في رد العارية فالقول قول المعير عند ابن القاسم في كل ما لا يصدق المستعير في ضياعه.
الخامس: إذا اختلفا في رد العارية فالقول قول المعير عند ابن القاسم في كل مالا يصدق المستعير في ضياعه.
قال في كتاب محمد: وسواء أخذه ببينة أو بغير بينة، ولا يقبل قوله في الرد إلا ببينة.قال محمد: وكل من يقبل قوله في التلف يقبل قوله في الرد.
وقال ابن حارث: كل دافع دفع مالاً إلى غير من دفعه إليه فلا يبرئه منه إلا البينة التي تشهد له بالدفع، وإلا فهو ضامن، كان في الأصل ضامنًا أو مؤتمنًا. إن دفعه إلى دافعه إليه، فإن كان لذلك المال ضامنًا من قبل فلا يبرئه أيضًا منه إلا البينة، وإن لم يكن له ضامنًا فالقول قوله إذا كان قميصه بغير بينة، فإن كان قبضه ببينة فلا يبرأ إلا بالبينة.

.كتاب الغصب:

قال الشيخ أبو الوليد الغصب أخذ المال بغير حق على وجه القهر والغلبة من غير حرابة. ولا خفاء بأنه عدوان،وهو سبب لضمان المغصوب، وعقوبة الغاصب المكلف بالأدب والسجن بقدر اجتهاد الحاكم. وقيل: يؤدب غير البالغ كما يؤديه المؤدب في المكتب، ويؤخذ بحق المغصوب منه.
واختلف فيما أتلفه الصغير الذي لا يعقل، فقيل:ما أصابه من دم أو مال مهدر، كالعجماء؛ وقيل: ما أصابه من الأموال في ماله، ومن الدماء على عاقلته، إن بلغ الثلث كالخطإ؛ وقيل: الأموال مهدرة، والدماء على العاقلة كالمجنون.
ثم النظر في الكتاب يحصره بابان:

.(الباب) الأول: في الضمان:

والنظر فيه في ثلاثة أركان:
الموجب، والموجب فيه، والواجب.

.الركن الأول: الموجب:

وهو ثلاثة: التفويت بالمباشرة، أو بالتسبب،أو بإثبات اليد العادية.
وحد المباشرة: اكتساب علة التلف كالقتل، والأكل والإحراق ونعني بالعلة ما يقال من حيث العادة أن الهلاك حصل به، كما يقال حصل بالأكل والقتل والإحراق.
وحد السبب: اكتساب ما يحصل الهلاك عنده، لكن بعلة أخرى، إذا كان السبب هو المهيئ لوقوع الفعل بتلك العلة. فيجب الضمان على المكره على إتلاف المال، والإكراه سبب؛ وعلى من حفر بئرًا في محل عدوان، فتردت فيه بهيمة أو إنسان؛ فإن رداه غيره فعلى المردي تقديمًا للمباشرة على التسبب. ولو فتح قفص طائر غيره بغير إذنه فطار حتى لم يقدر عليه، أو حل دابة من مربطها فهربت، أو عبدًا مقيدًا خوف الهرب فهرب، ضمن في جميع ذلك، لأن فعله سبب الإتلاف، وسواء كان الطيران والهرب عقب الفتح والحل أو بعد مهلة. وكذلك السارق يترك الباب مفتوحًا وما بالدار من أحد، فيذهب منها بشيء. فأما من فتح باب دار فيه أدواب فهبت، فإن لم يكن فيها أربابها ضمن، وإن كانوا فيها لم يضمن.
وقال أشهب: إن كانت الدواب التي في الدار مسرحة ضمنها وإن كان رب الدار فيها.
وأما إثبات اليد العادية فهو مضمن؛ إلا أنه إذا كان بالقهر والغلبة سمي غصبًا، وإذا جحد المودع فهو في حالة الجحود متعد. وإثبات اليد في المنقول بالنقل إلا في الدابة فيكفي فيها الركوب.
ويثبت الغصب في العقار بالدخول وإزعاج المالك، وبالاستيلاء على العقار وإن لم يكن. فأما لو غصب السكنى فقط فانهدمت الدار إلا موضع مسكنه لم يضمن، ولو انهدم مسكنه لغرم قيمته.
ومهما أتلف الآخذ من الغاصب فالضمان عليه، حتى لو كان مغرورًا، كما لو قدم الطعام للضيف فأكله ظنًا منه أنه ملك المقدم لضمن بالأكل وكذلك لو قدم الغاصب الطعام إلى المالك فأكله مع الجهل بحاله، فإن الغاصب يبرأ من الضان، بل لو أكرهه على أكله فأكله كرهًا لبرئ الغاصب.

.الركن الثاني في الموجب فيه:

وهي الأموال: وتنقسم إلى العين والمنفعة.
أما العين فتنقسم إلى الحيوان وغيره. فالحيوان كله، الرقيق وغيره، يضمن عند التلف بقيمته يوم الغصب.
وقال ابن وهب وأشهب وعبد الملك بن عبد العزيز: يضمن بأرفع القيم ما بين زمني الغصب والتلف. واختاره الشيخ أبو إسحاق.
وعند الإتلاف يخير ربه بين قيمته يوم الغصب أو يوم الجناية من الجاني إن كان غير الغاصب، وكذلك إن كان الغاصب على المشهور. فلو قطع إحدى يدي العبد كان ربه مخيرًا بين أن يأخذ الغاصب بقيمته يوم الغصب ويتركه له، وبين أن يأخذه ويأخذ أرش النقصان.
وقال أشهب وسحنون: ربه بالخيار بين أخذه بغير أرش وبين أخذ قيمته يوم الغصب. وكذلك عين الفرس والبقرة وما أشبه ذلك.
وأما الجمادات: فكل متمول معصوم لصاحبه مضمون، فلا تضمن الخمر للمسلم، وتضمن للذمي.
وقال ابن الماجشون وأحمد بن المعذل: لا تضمن لمسلم ولا ذمي.ولا يضمن ما نقض من الملاهي بكسرها وتغييرها عن حالها، إذ يجب ذلك. ويضمن جلد الميتة بعد الدباغ، وقبله أيضًا،عند ابن القاسم وأشهب. وروى القاضي أبو الفرج:أنه لا يضمن.
وقال القاضي أبو إسحاق: إلا أن يكون لمجوسي.
وقاله ابن القاسم أيضًا.
وخرجه القاضي أبو الفرج على قول مالك في مسألة ضمان الخمر للذمي.والمستولدة والمدبر والمكاتب في الضمان كالعبد القن.
وقال سحنون، لا تضمن المستولدة بمجرد وضع اليد عليها وإن ضمنت بالجناية. ويضمن الكلب المأذون في اتخاذه.
وأما منفعة الأعيان فلا تضمن بالفوات تحت اليد العادية عند ابن القاسم.
وقال مطرف وابن الماجشون وأشهب وابن عبد الحكم وأصبغ في كتاب ابن حبيب: عليه الكراء إذا أغلق الدار، وبور الأرض، ولم يستخدم العبد، ووقف الدالة.
وقال ابن حبيب: إذا باع الغاصب أو وهب غرم الغلة التي اغتل المشتري والموهوب له.
فإن كان الغاصب معسرًا رجع المغصوب منه على الموهوب له إن كان حيًا أو على وارثه إن كان ميتًا،ولم يرجع على المشتري.
قال أبو لحسن اللخمي: وهذا مثل القول: إنه يغرم غلة الدار وإن أغلقها،لأن كليهما إنما يغرم ما حرم ربها من تلك الغلات بغصبه، لأن المسلط للمشتري والموهوب له.
وأما التفويت فاختلف الرواية في حكمه، فروى أشهب وعلي بن زياد أن الغلة مضمونة من أي صنف كان المغصوب حيوانًا أو ربعًا أو غير ذلك، سكن أو أجر.
وذكر القاضي أبو الحسن عكسها، وهو أنها لا تضمن على الإطلاق.
وروى ابن القاسم: أن الغاصب يضمن غلة الرباع والإبل والغنم، ولا يغرم غلة العبيد والدواب.
وقال أيضًا يغرم ما استعمل.
وقال ابن المعذل: يغرم غلة ما لا يسرع إليه التغير كالدور والأرضين والنخل، ولا يغرم غلة ما يسرع إليه التغيير كالعبيد والحيوان.
وقال القاضي أبو بكر: الصحيح أن المنافع مال وأنها مضمونة، سواء تلفت تحت اليد العادية أو أتلفها المعتدي، فأما منفعة البضع فلا تضمن إلا بالتفويت، فعليه في الحرة صداق المثل، بكرًا كانت أو ثيبًا، وأما الأمة فعليه ما نقصها، وكذلك منفعة بدن الحر لا تضمن إلا بالتفويت.
فرعان: الأول: قال محمد: إذا غصب داراً خربة لا يقدر على سكناها حتى يصلحها، فسقف فيها وحفر وردم وأصلح حتى سكن، وأغلت غلة كثيرة، فلربها أخذها مصلحة،وأخذ ما اغتل منها، وكراء ما سكن، ولم يكن عليه مما أصلح شيء إلا قيمة ما لو نزعه لكان له قيمة.
وإن غصب مركبًا خربًا لا يقدر على استعماله إلا بإصلاحه فعمره وأعده لحوائجه ثم اغتل غلة، كان جميع الغلة المستحقة، ولا غرم عليه في شيء مما أنفقه، إلا مثل صاري أو. رجل أو حبل. قال: وأصبغ يذهب في ذلك إلى قول أشهب، ولم يعجبني. قال أبو الحسن اللخمي: وقول أشهب أبين، فيقوم الأصل قبل إصلاحه فينظر ما يؤاجر به ممن يصلحه فيغرمه، وما زاد على ذلك فللغاصب.
قال: ولا أعلمهم اختلفوا فيمن غصب أرضًا فبناها، ثم سكن واستغل: أنه لا يغرم سوى غلة القاعة.
الفرع الثاني:
حيث ألزمنا الغاصب رد الغلات، فهل يرجع بما أنفق على العبد والدابة وبالسقي والعلاج أم لا.
قال ابن القاسم: له أن يقاص بما سقى وعالج مما بيده من الغلة، فإن عجزت الغلة عنه لم يرجع بما زاد عليها.
وروى أشهب: إن رب الدابة والعبد إذا أخذ رجع بالكراء والغلة،وقاصه في الغاصب بما أنفق على العبد أو الدابة.
قال غيره: قال ولو أكر ذلك الغاصب وحابي فيه لأخذه بالمحاباة، فإن أعدم أخذ بها المكتري.

.الركن الثالث: في الواجب:

وهو ينقسم إلى المثل والقيمة.
وحد المثل: ما تماثلت أجزاؤه في الخلقة والصورة والجنس، وذلك مما يوزن أو يكال، كالذهب والفضة والحديد والصفر والنحاس والحنطة والشعير وجميع الأطعمة، وكذلك ما يعد مما تستوي آحاد جملته في الصفة غالبًا، كالبيض والجوز ونحوه. ثم إن لم يسلم المثل بعد أنتلف المغصوب حتى فقد المثل، فقال ابن القاسم: ليس عليه إلا مثله.
وقال أبو الحسن اللخمي: يريد: أنه يصبر حتى يوجد.
وقال أشهب: المغصوب منه بالخيار بين أن يصبر أو يأخذ بالقيمة الآن.
قال ابن عبدوس: اختلف في ذلك كالاختلاف في السلم في الفاكهة بعد خروج الإبان.
ولو غرم القيمة ثم قدر على المثل لم يلزمه دفعه، لتمام الحكم بالبدل.
ولو أتلف مثليًا وظفر به في غير ذلك المكان، لم يكن له عليه مثل ولا قيمة، بل يصبر حتى يرجع إلى البلد الأول فيأخذ المثل.
وكذلك لو وجد الطعام المغصوب بعينه ببلد آخر لم يكن له على الغاصب إلا المثل في مكان الغصب، ولم يكن له أخذه. وبذلك قال ابن القاسم.
وروى محمد عن أشهب: أن ربه مخير بين أخذه أو أخذ الغاصب بمثله في مكانا لغصب.
وقال سحنون: لا أعرف قول أشهب هذا، وإنما له أخذه بمثله في موضع الغصب. وكذلك روى أصبغ عن أشهب في الموازية والعتبية.
وقال أصبغ: إن كان البلد البعيد، فالقول ما قال ابن القاسم، وإن كان قريبًا كبعض الأرياف والقرى، أخذه ويحمل على الظالم بعض الحمل ولو كان المغصوب من الحيوان لم يكن لربه سوى أخذه حيث وجده.
وأما البز والعروض فربها مخير بين أخذه أخذ قيمته في موضع الغصب والسرقة.
وقال أشهب: إذا أصاب العروض والحيوان ببلد آخر فإن له أخذها، وإن شاء تركها وأخذه بقيمتها يوم الغصب ببلد الغصب، يأخذ ذلك منه حيث لقيه، وقاله أصبغ: قال محمد: قول أشهب صواب.
وقال سحنون: البز والرقيق عندي سواء، ليس له إلا أخذه بعينه بغير البلد، واختلاف البلدان في ذلك كتغير الأسواق.
قال أبو القاسم: فإن اتفق المتعدي ورب الطعام على أخذه بعينه بغير البلد أو مثله أو الثمنا لذي بيع به فذلك جائز. وكذلك لو اتفقنا على أن يأخذ منه فيه ثمنًا نقدًا جاز، بمنزلة بيع الطعام القرض قبل قبضه؛ وقاله أصبغ.
وأما على أخذ طعاما لطعام يخالفه فلا يجوز. وأما من لك عليه طعام ابتعته بعينه فتراضيتما أن يعطيك مثله بغير البلد، فهذا لا يجوز، لأنه بيع طعام بطعام ليس يدًا بيد.
فرع:
إذا حكم للمغصوب منه بالمثل في بلد الغصب، إما بالإلزام على قول ابن القاسم وسحنون، وغما لأنه اختاره، على قول أشهب، فلا يدفع الطعام المنقول إلى الغاصب حتى يتوثق منه. قال أشهب: يحال بينه وبينه حتى يوفي المغصوب منه حقه.
وقال أصبغ: يتوثق له بحقه، قبل أن يخلي بينه وبينه، وقاله محمد.
ومن أتلف حليًا فعليه قيمته، وقيل: مثله. ولو كسر الحلي فوجده ربه مكسورًا فله أخذه وأخذ قيمة الصياغة. ولو كسره ثم أعاده على حالته فلصاحبه أن يأخذه بلا غرم. وإن صاغه على غير صياغته لم يأخذه، ولم يكن له إلا قيمته يوم غصب، قاله ابن القاسم وأشهب.
وقال ابن المواز: لا شيء له إلا قيمته، وإن أعاده إلى حاله، لأن الغاصب ضمن قيمته. ولو لم يكن غاصبًا إلا متعديًا لكان له أخذه إذا صاغه على حاله بلا غرم.
ولو اشتراه رجل من الغاصب فكسره ثم أعاده إلى حالته لم يكن لصاحبه أخذه، إلا أن يدفع إلى المشتري قيمته صياغته، لأنه لم يتعد في الكسر.
ولو اتخذ من الحنطة دقيقًا لم يكن له إلا مثل حنطته.
وقال أشهب: ربها بالخيار بين أن يأخذ مثل الحنطة أو يأخذ الدقيق، ولا شيء له في طحنه.
وأما المتقومات إذا أتلفت فتضمن بقيمتها يوم الغصب. وقيل: بأقصى قيمتها من يوم الغصب إلى يوم التلف كما تقدم.
ووقع في العتبية، من سماع ابن القاسم، فيمن تسوق بسلعة فأعطاه غير واحد بها ثمنًا، ثم استهلكها رجل، فليضمن ما كان أعطى بها، ولا ينظر إلى قيمتها إذا كان عطاء قد تواطأ عليه الناس، ولو شاء أن يبيع به باع.
وقال سحنون: لا يضمن إلا قيمتها وقال عيسى: يضم الأكثر من القيمة أو الثمن.
ثم حيث قلنا: يضمن القيمة، فإن أبق العبد المغصوب ضمن قيمته وأخذت منه، وصار العبد ملكًا له، والقيمة ملك للمغصوب منه، حتى لو وجد العبد بعد ذلك لم يكن له رجوع في القيمة، ولا للمغصوب منه الرجوع في العبد إلا بتراضيهما. وقيل: لربها لرجوع.
ولا خفاء بأن الغاصب لو كتم العبد وادعى هلاكه حتى أخذت منه قيمته ثم أظهره، أن لربه أخذه منه متى شاء، شاء الغاصب أو أبى.
وإن تنازعًا في تلف المغصوب فالقول قول الغاصب، لأنه ربما عجز عن البينة وهو صادق.
وما اختلف فيه من جنس سالم مغصوب أو مبلغ كيله أو وزنه أو صفته فالقول قول الغاصب مع يمينه في جميع ما يشبه من ذلك. وقيل: في الصرة المنتهبة القول قول صاحبها إذا ادعى ما يشبه.

.الباب الثاني: في الطوارئ على المغصوب:

من نقصان أو زيادة أو تصرف.
وفيه فصول ثلاثة:

.الفصل الأول:

فإذا غصب ما قيمته عشرة فعاد إلى درهم فرده بعينه فلا شيء عليه إذ لا يراعي انخفاض الأسواق كما لا يراعي ارتفاعها. وإن تلف قبل رده فالجواب عشرة، وهي قيمته يوم الغصب، وأعلى القيم.
ولو دخله عيب، أو زوال جارحة، أو نقص قل أو كثر، في عرض أو حيوان، رقيق أو غيره، بأمر من الله سبحانه، فالمغصوب منه مخير بين أخذ ذلك بعينه ولا شيء له في نقصه، وبين تركه وأخذ قيمته يوم الغصب؛ وإن كان العيب أو زوال الجارحة بفعل من الغاصب، فقد تقدم حكم ذلك وبيان الخلاف فيه.
وأما إن كان بجناية أجنبي ثم ذهب، فلا يؤخذ الغاصب بما نقصها، ولربها أن يضمنه قيمتها يوم الغصب، ثم للغاصب إتباع الجاني، وإن شاء ربها أخذها واتبع الجاني دون الغاصب بما نقصها.
ولو جنى العبد المغصوب جناية قتل بها قصاصًا، ضمنه الغاصب إذا حصل الفوات تحت يده، وإن تعلق الأرش برقبته فقال ابن القاسم: إن شاء سيده أخذه من الغاصب قيمته يوم الغصب، وسلمه إلى المجني عليه؛ وإن شاء أخذه ولم يرجع على الغاصب بشيء.
التفريع: إن أخذ القيمة من الغاصب، فللغاصب أن يسلمه أو يفديه، وإن أَخَذَهُ تخير بين أن يسلمه إلى المجني عليه أو يفديه.
وقال أشهب: يسلم العبد إلى ربه، يسلمه أو يفتكه، ثم يرجع على الغاصب بالأقل من جنايته أو قيمته.
ولو حفر الغاصب بئراً في الدار فعليه ردم ما حفر فيها وإن بناها فله نقضها، إلا أن يشاء رب الدار أن يعطيه قيمة نقضه مقلوعًا بعد طرح أجر النقض والتنظيف إذا كان لا يباشر ذلك بنفسه فله ذلك.
وإذا خصى العبد ضمن ما نقصه، فإن لم ينقصه ذلك أو زادت قيمته لم يضمن شيء وعوقب.
ولو هزلت الجارية ثم سمنت، أو نسي العبد الصنعة ثم تذكر حصل الخير.
ولو غصب عصيرا فعاد خمرًا ضمن مثل العصير لفوات المالية، ولو صار خلاً لكان ربه بالخيار بين أن يأخذه خلاً أو يغرمه مثله عصيرًا. قال ابن القاسم وأشهب: ولو غصب خمرًا لمسلم فخللها، فلربها أخذها خلاً لا غير ذلك. قال أشهب: ولو كانت لذمي لكان مخيرًا في أخذها خلاً، أو قيمتها خمرًا يوم الغصب.
وأما البذر إذا زرع والبيض إذا تفرخ، فالخارج ملك للغاصب وعليه مثل ما غصب.
وقال سحنون في الفراخ: هي للمالك وعليه للغاصب قدر كراء ما حضنته دجاجته.
وفي المجموعة عن أشهب فيمن اغتصب دجاجة فباضت عنده فحضنت من بيضها، فما خرج من الفراريج فلربها أخذها مع الدجاجة كالوالدة.
وأما لو حضن الغاصب تحتها بيضًا من غير بيضها فخرج من ذلك فراريج، وحضن بيضها تحت دجاجة له أخرى، فليس للمغصوب منه إلا دجاجته وحدها إن شاء، ولا شيء له مما خرج من البيض الذي حضنت من بيض غيرها، ولا مما حضنه غيرها من بيضها، ويغرمه المستحق بيضًا مثل بيضها. ومثل ذلك في كتاب محمد. ثم قال: ويكون له فيما حضنت من بيض غيرها كراء مثلها. قال الشيخ أبو محمد: يعني محمد على قول أشهب.

.الفصل الثاني:

وإذا غصب ثوبًا فصبغه، قربه بالخيار بين أخذ قيمته يوم الغصب، وبين أخذ الثوب. ثم إذا أخذه دفع للغاصب قيمة الصبغ.
وقال أشهب: لا شيء له في الصبغ، وإن نقصه الصبغ فله أخذ قيمته يوم الغصب أو أخذه بغير أرش.
ولو غصب طينًا فضربه لَبِنًا لرجع عليه بمثل الطين لانتقاله بالصنعة. وإن غصب شاة فذبحها وشواها، ضمن لربها قيمتها. وكذلك لو ذبحها ولم يشوها.
وقال محمد بن مسلمة إذا ذبحها ولم يشوها فلربها أخذها مذبوحة، وما نقصها الذبح. ولو غصب نقرة فصاغها حليًا ضمن مثلها ولم يأخذ الحلي.
وقال ابن الماجشون: له أن يأخذ الفضة المصنوعة والثوب المصبوغ أو المخيط إن. شاء في جميع ذلك، ولا حجة عليه بالصنعة، إذ ليس لعرق ظالم حق وإن شاء قيمة ذلك.
وإن غصب زينًا وخلطه بزيته، وهو مثله، صار شريكًا بمكيلته، وإن خلطه بأدنى منه أخذه بالمثل من غيره.
ولو غصب ساجة أو سارية وأدرجها في بنائه لم يملكها بل يردها على مالكها وإن أدى إلى هدم بنائه، وكذلك لو غصب لوحًا, وأدرجه في سقيفته لكان لصاحبه قلعه.

.الفصل الثالث: في تصرفات الغاصب:

وإذا باع الجارية المغصوبة، فوطئها المشتري وهو عالم لزمه الحد، وإن كان جاهلاً لم يحد. أما الولد فهو رقيق، ولا نسب له إن كان عالمًا، وإن كان جاهلاً انعقد على الحرية، وضمن المشتري قيمة الولد يوم الحكم إن كان باقيًا إلا أن يكون يومئذٍ جنينًا فتؤخذ قيمته يوم الوضع إذا وضع.
وقال المغيرة: يضمن الولد بقيمته يوم الوضع وإن مات بعد ذلك، ويرد الأم. وروى أنه يأخذ قيمتها من المشتري، وتكون أم ولد له، ولا شيء للسيد في ولدها. فإن انفصل الولد ميتًا فلا ضمان، وكذلك لو انفصل حيًا ثم قتل قبل القيام، إلا أن يأخذ الواطئ فيه دية فيكون عليه الأقل منها أو من قيمته حياً.
فرع:
في بيان الفرق بين الغاصب والمتعدي.
قال في الكتاب: والمتعدي يفارق الغاصب في جنايته، لأن المتعدي إنما جنى على بعض السلعة، والغاصب كان لجميعها غاصبًا فضمنها يومئذ بالغصب، فلو تعدى رجل على صحفة أو عصا فكسرها، أو خرق ثوباً، فإن كان ما صنع قد أفسد ذلك فسادًا كثيرًا فربه مخير في أخذ قيمة جميعه أو أخذه بعينه ويأخذ ما نقصه من المتعدي. فإن كان الفساد يسيرًا فليس له إلا ما نقصه بعد رفء المتعدي للثوب. وقد كان مالك يقول: يغرم ما نقصه ولا يفصل بين قليل أو أكثر.
ثم قال: هكذا، وسواء كان ثوبًا أو حيوانًا أو غيره.
وقال أشهب في الفساد الكثير: إنما له أن يضمنه قيمة جميع الثوب أو يأخذه بنقصه، ولا شيء له مما نقصه.
وقاله ابن القاسم مرة، ثم رجع عنه.
وإذا فرعنا على الأول ففي معنى الفساد ما أتلف الغرض المقصود من العين عادة،وإن كانت الجناية في الصورة المشاهدة يسيرة، مثل أن يقطع ذنب الدابة أو أذنيها، فلا يمكن من جهة العادة الانتفاع بها من الوجه المقصود منه، مما يركب مثله القضاة وذوو الهيئات. رواه ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ.
وهكذا إذا جنى على القلنسوة أو الطيلسان والعمامة جناية يعلم أن صاحبها ذا الهيئة والمروءة والمنزلة لا يلبسها على تلك الحال.
وإن كان قد أتلف على المالك المنفعة المقصودة من العين فقد صار كمتلفها جملة بالإضافة إلى مقصوده، إذ الأعيان إنما تقصد وتقتني لمنافعها، فذهاب المنفعة المقصودة من العين التي اقتنيت من أجلها كذهاب العين جملة.

.كتاب الشفعة:

وفيه ثلاثة أبواب:

.(الباب) الأول: في أركان الاستحقاق:

وهي ثلاثة:
المأخوذ، والآخذ، والمأخوذ منه:

.(الركن) الأول: المأخوذ:

ومتى كان المبيع عقاراً منقسمًا غير تابع في الانتفاع به لغيره، كان مأخوذًا باتفاق، ويلحق به ما كان تابعًا لهو متعلقًا به مما هو ثابت فيه لا ينقل ولا يحول، وذلك كالجدران والبئر وفحل النخل، فتجب الشفعة في ذلك، ما دام أصله على صفة تجب فيها الشفعة، وهي: أن يكون مشاعًا غير مقسوم؛ واختلف في قسم ثالث كالثمار. فقال ابن الماجشون: لا تؤخذ بالشفعة.
وقال أشهب: للشريك الشفعة في الثمن، كان الأصل لهما أو لم يكن. وفي الكتاب قال مالك في قوم شركاء في ثمرة: إذا كان الأصل لهم أو كانت النخل في أيديهم مساقاة، أو كانت حبسًا على قوم، وأثمرت هذه النخل وحل بيعها، فباع أحدهم، فإن شركاءه في الثمرة يأخذون ما باع بالشفعة بما باع به. قال محمد: وهو صواب ما لم ييبس، وإذا كان الأصل بينهما.
واختلف أيضًا في مكاتبة المكاتب، وفي الأرض بين الشريكين يؤاجر أحدهما حصته للزرع، وفي البناء القائم لقوم في عرصة ليست لهم، كأهل حبس بنوا فيه، ثم مات أحدهم، فباع ورثته حصته من البناء. وكذلك إن بنوا في عرصة معارة، فباع أحدهم حصته من النقص، فرب الأرض مبدأ، فإن شاء أخذ ذلك بالأقل من قيمته نقضًا أو الثمن، فإن أبي فلشريكه أخذها بالثمن.
وقال أشهب: لا شفعة في ذلك لشريكه، إذا لا ملك له في العرصة، وهو بيع لا يجوز، باعا جميعاً أو أحدهما، لأن رب الأرض له أن يبقيه ويؤدي قيمته نقضًا؛ أو يأمر بقلعه، فلم يدر المبتاع ما اشترى نقضًا أو ذهبا. ورواه عن مالك فيمن بنى في عرصة رجل بإذنه، ثم باع بناءه أن ذلك لا يجوز، وكذلك إن بني في عرصة محبسة عليهما، لم يجز بيعهما ولا بيع أحدهما.
واختلفت الرواية في أخذ ما لا ينقسم من الرباع والأرحية والآبار والعيون والشجرة الواحدة وشبه ذلك.
ومنشأ هذا الاختلاف: النظر إلى علة الشفعة هل هي ضرر القسمة فلا تجب فيما لا ينقسم، أو ضرر الشركة فتجب فيما لا ينقسم كما تجب فيما ينقسم؟
قال القاضي أبو الحسن: والذي يقوى في نفسي أن فيه الشفعة. ولا شفعة فيما عدا هذا من الحيوان والعروض والطعام وغير ذلك من أعيان الأملاك، ولا في حق من حقوق الملك كالممر ومسيل الماء والطريق إلى العلو، وشبه ذلك.

.الركن الثاني: الآخذ:

وهو كل شريك بالملك، فلا شفعة للجار، وإن كان ملاصقًا، وثبت للشريك وإن كان كافرًا، إذا كان البائع مسلمًا، كان المشتري مسلمًا أو ذميًا، وقيل: إن كان المشتري والشفيع ذميين فلا شفعة لأن المحاكمة بينهما.
وقال أشهب: تجب الشفعة إذا كان فيهم مسلم من غير تفصيل.
فرع:
من شارك بحصة موقوفة،فإن كان مرجعها إلى المحبس فالشفعة له، وإن كانت لا مرجع لها إليه فلا شفعة له، إلا أن يريد المحبس أو المحبس عليه أن يلحق ذلك بالمحبس فذلك له. وقيل: ليس ذلك له. قال أبو الحسن اللخمي: وهو أقيس، إذ لا أصل له يستشفع به.

.الركن الثالث: المأخوذ منه:

وهو كل من تجدد ملكه اللازم باختيار. وفي اشتراط تجدده بمعاوضة روايتان، ثمرتهما نفي الشفعة في الصدقة والهبة لغير ثواب أو ثبوتها.
احترزنا بالمتجدد عن رجلين اشتريا داراً معاً، فلا شفعة لأحدهما على الآخر، واحترزنا باللازم عن الشراء في زمن الخيار، فإنه لا يؤخذ فيه بالشفعة حتى يختار.
واحترزنا بالتقييد بالاختيار عن الحاصل بالإرث.
وتثبت الشفعة في ما وراء ذلك من وجوه المعاوضات، بأي نوع كان من التمليكات، من مهر، أو خلع، أو بيع، أو إجارة، أو صلح من أرش جناية، أو قيمة متلف، أو دم عمد أو خطإ، أو غير ذلك من المعاوضات، سوى المناقلة فإنها قد اختلف فيها.
فقال ابن القاسم في العتبية، فيمن باع نصف أرضه بأرض أخرى وبزيادة دنانيره ففيه الشفعة. قال: وقال بعض أصحابنا: إنه كان من قول مالك وغيره من المدنيين: إنه إن علم أنه أراد المناقلة والسكنى ولم يرد البيع فلا شفعة، لأنه لم يكن يرضى أن يخرج من داره ويبقى لا دار له.
وقاله ربيعة، وذكرناه لمالك فلم يره، وقال: فيه الشفعة.
قال العتبي: وقال مطرف وابن الماجشون إنما قال مالك: لا شفعة، إذا كان بين أشراك داران أو حائطان، فيناقل أحدهم بعض أشراكه حصته من هذه الدار بحصته من الدار الأخرى أو الحائط، فيجتمع حظ كل واحد منهم في شيء واحد، لأنه إنما أراد توسعة حظه وجمعه، وأما إن ناقل بنصيبه من دار بنصيب من دار أخرى لا نصيب له فيها ففيها الشفعة، عامل بذلك بعض أشراكه أو أجنبياً.
وحكى مثله كله ابن حبيب عن مطرف عن مالك وقال: قد كان ابن القاسم يروي أن في ذلك كله الشفعة،والأول أحب إلي. ويأخذ بالشفعة في الإقالة والشركة والتولية كما يأخذ في ابتداء البيع سواء.
وفي وجوب عهدته في الإقالة على المشتري أو تخييره بين البائع والمشتري خلاف، منشؤه تنفيذ الإقالة والأول أحب إلي. ويأخذ بالشفعة في الإقالة والشركة والتولية كما يأخذ في ابتداء البيع سواء.
وفي وجوب عهدته في الإقالة على المشتري أو تخييره بين البائع والمشتري خلاف، منشؤه تنفيذ الإقالة وعدم تنفيذها. فقال مالك في كتاب محمد: يأخذ الشفيع بعهدة بيع الإقالة.
قال أشهب: هو استحسان، كان المستقيل البائع أو المشتري، والقياس أن يأخذ من أيهما شاء، ولو قاله قائل لم أعبه.
وقال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: إن ظهر من حال المتقايلين أنهما إنما قصدا قطع الشفعة فالعهدة على المبتاع لا تعدوه، وإن ظهر أن الإقالة لقصد صحيح لا لقصد قطع الشفعة فالخيار إلى الشفيع في أن تكون عهدته على أيهما شاء. وفي كتاب محمد وقاله أشهب وابن الماجشون في المجموعة، وقاله مطرف في الواضحة.
وإذا سلم الشفيع الشفعة ثم تقايلا، كان للشفيع أخذها بالشفعة بعهدة الإقالة لأنه بيع حادث زالت فيها التهمة.
قال ابن الماجشون في المجموعة ومطرف في كتاب ابن حبيب: وكذلك لو ولاه أو أشرك فيه فللشفيع الشفعة بذلك. قال أشهب في كتاب محمد: ولو تقايلا بزيادة أو نقصان قبل تسليم الشفيع فله الشفعة على أيهما شاء.
وبالجملة، فحيث صححنا الإقالة ولم يتهما فهي بيع مؤتنف، فيرجع البائع مبتاعًا، فيؤخذ منه بالشفعة لا لكونه بائعًا.
قال الشيخ أبو الوليد: وإنما تكون العهدة عندنا على البائع للشفيع في المقارض يبتاع بمال القراض شقصًا هو شفيعه أو رب المال شفيعه، لأن رب المال إن كانت له الشفعة فالمال ماله، فلا يصح له أن يكتب العهدة على نفسه، وإن كان للعامل فلا يجوز له أن يجعل العهدة على رب المال فيما ابتاع بماله.
ومن باع شقص طفل تحت نظره فله الأخذ لطفل آخر؛ وإن كان له شريك معهم فأخذ بحصته تعقب فعله: فإن كان البيع أحظ لليتيم أمضى وإلا رد. وكذلك لو كان هو الشريك وحده.
وإن كان للمشتري في الدار شركة قديمة وطولب بالشفعة، فليترك له ما يخصه لو كان المشتري غيره، فأما لو بقي للبائع حصة، فأراد أن يأخذ بها لم يكن له ذلك. وليس لبائع فيما باع شفعة.
قال أشهب في المجموعة: من باع بعض حصته من دار فلا شفعة له مع الشريك بما بقي له لأنه باع راغبًا في البيع، وإنما الشفعة للضرر.
قال غيره: لو باع السلطان على غائب بعض شِقْصِهِ في دَيْنٍ عليه، ثم قدم فلا شفعة له فيه، وهو كما لو باعه هو.
قال الشيخ أبو محمد: ويتبين لي أن رجلاً لو باع شقصًا له في دار، ثم إن المشترى من باع ذلك الشقص من رجل آخر، أن لبائعه الأول فيه الشفعة، لأن هذا بيع ثان لم يله البائع الأول، فأما ما وليه البائع الأول فلا حجة له فيه، وليس له أخذه بالشفعة من المشتري منه، لأنه ولي بيعه.
وإذا تساوى الشريكان إلى مجلس الحاكم، وزعم كل واحد أن شراء الآخر متأخر وله هو الشفعة عليه، فالقول قول كل واحد في عصمة ملكه عن الشفعة. فإن تحالفا تناكلا تساقط القولان. وإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضى لمن حلف بالشفعة.
فرع:
بيع الشقص بيعًا فاسدًا رد، ولم تكن فيه شفعة إلا أن يفوت بما يفوت به البيع الفاسد، وتجب فيه القيمة، فيستشفع فيه حينئذٍ بها، إن كان الفوات بغير البيع الصحيح.
فإن كان به أخذ الشفيع بثمنه، وليس له أن يأخذ بالعقد الأول، لأنه إذا أزيل البيع الصحيح بقي البيع الفاسد لا فوت فيه فيرد.
ولو أخذه من المبتاع الأول قبل الفوت رد. فإن فات عنده قبل الإطلاع عليه بقي بيده، وعليه فيه الأقل من قيمته يوم قبضه هو القيمة التي وجبت على المشتري الأول، لأنه لا يقدر على رده لفواته عنده، ولأن له أن يستشفع بالقيمة التي وجبت على المشتري الأول.

.الباب الثاني: في كيفية الأخذ:

والنظر في أطراف:
الأول: فيما يملك به.
ويملك بتسليم الثمن، وإن لم يرض المشتري، ويقضي القاضي له بالشفعة عند الطلب، وبمجرد الإشهاد على الأخذ، وبقوله أخذت، وتملكت. ثم يلزمه إن كان علم بمقدار الثمن، وإن لم يكن علم لم يلزمه.
الطرف الثاني: فيما يبذل من الثمن.
وعلى الشفيع بذل مثل ما بذله لمشتري إن كان مثليًا، أو قيمته يوم العقد، إن كان من ذوات القيمة، وما لا تتحرر فيه القيمة فقيمة الشقص فيبذل في الممهور، وما عليه الخلع، وما صولح عليه من دم عمد قيمة الشقص يوم العقد. وقيل: يبذل في الممهور صداق المثل، كما في استحقاقه من يدها، وفي هبة الثواب يأخذ بقيمة الثواب أو بمثله، ولا يأخذ بالشفعة إلا بعد دفع الثواب، فإن أثابه أكثر من القيمة، فقال ابن القاسم وعبد الملك: يأخذ بقيمة العوض، ما بلغ.
وقال أشهب: ذلك فيما قبل الفوات، فأما بعده فيأخذ بالأقل من الثواب أو قيمة الهبة.
وإذا باع الشقص بألف إلى سنة فللشفيع أخذه بمثل ذلك الدين من أجله إن كان مليًا، أو أتى بضامن ملي. وإن احتال البائع على الشفيع بالثمن لم يجز، لأنه دينه لم يحل. وإن عجل الشفيع الثمن قبضه المبتاع. ثم ليس عليه أن يعجل للبائع.
ومن ابتاع شقصاً وعرضًا بألف أخذ الشفيع الشقص بما يخص باعتبار قيمته يوم العقد، ثم لا خيار للمشتري فيما فرق عليه من الصفقة.
والأصل في المشتري أنه لا يضمن للشفيع شيئا مما حديث في الشقص من غصب أو هدم في حرق أو غرف، أو ما غار من أعين أو بئر.
ولا يحط الشفيع لذلك من الثمن شيئا، بل إما أخذ بجميع الثمن، وإما ترك.
وكذلك لو هدم البناء ليبينه أو ليوسع، فإما أخذ ذلك مهدومًا مع نقصه، أو ترك. وكذلك لو سكن حتى ينهدم البناء، فلا شيء عليه. ولا يحط لذلك من الثمن شيئا، بل إما أخذ بجميع الثمن، وإما ترك.
وكذلك لو هدم البناء ليبينه أو ليوسع، فإما أخذ ذلك مهدومًا مع نقضه، أو ترك. وكذلك لو سكن حتى ينهدم البناء، فلا شيء عليه. ولا يحط لذلك من الثمن شيئا.
وإن هدم المشتري ثم بنى، قيل للشفيع: خذ بجميع الثمن وقيمة ما عمر. قال أشهب: يوم القيامة، وله قيمة البناء الأول منقوضًا، قال ابن القاسم: وإلا فلا شفعة لك. وكذلك لو غرس لقيل له: خذ بجميع الثمن وقيمة الغرس.
فرع:
في تصوير هذه المسألة.
وهي تصرف المشتري في الشقص قبل الشفيع، وذلك أنه لا يتصرف بالبناء في ملك مشاع، ولو فعل ذلك لكان حكمه حكم الغاصب. وإنما يبني ويغرس بعد القسمة، وبعدها شفعة، لكن فرض لها العلماء صورًا وقعت فيها القسمة بعد شراء الشقص المشفوع من غير إسقاط الشفيع لحقه في الأخذ.
منها: أن يكون الشفيع غائبًا، ويطلب الشركاء القسمة فيقاسم القاضي على الغائب.
ومنها: أن يكون المشتري كذب في الثمن، فترك الشفيع الأخذ استغلاء، ثم قاسمه.
ومنها: أن يكون أحد الشريكين غاب ووكل في مقاسمة شريكه، فباع شريكه نصيبه، ثم قاسم الوكيل المشتري، ولم يأخذ بالشفعة.
ومنها: أن يكون الشفيع غائبًا وله وكيل حاضر على التصرف في أمواله فباع الشريك، فلم ير الوكيل الأخذ بالشفعة وقاسم المبتاع.
ومنها: أن يقو وهبت الشقص لغير ثواب ولم أشتره، فتسقط الشفعة على إحدى الروايتين فيقاسمه، ثم يثبت الشراء.
وليس للشفيع شيء فيما اغتل المبتاع من غلة دار أو أرض أو ثمرة نخل قبل قيامة. وله الشفعة في النخل بما فيها من ثمر ما لم ييبس.
قال سحنون: الشفعة في الثمر مع الأصل ما لم ييبس ويستغني عن الماء، بخلاف الزرع، لأن الثمرة ولادة، ثم على الشفيع للمبتاع قيمة ما سقى وعالج.
وقال عبد الملك وسحنون: ليس عليه شيء إلا الثمن، لأن المنفق أنفق على مال نفسه.
ولو اشترى الشقص بثمن ثم حط عنه بالإبراء بعضه نظر: فإن أشبه أن يكون ثمن الشقص عند الناس ما بقى إذا تبايعوا بغير غب، أو بالغبن الجاري به العادة بينهم، وضع عن الشفيع ما وضع عن المبتاع، لأن ما أظهرا من الثمن الأول يبين أنه إنما كان تسبيبًا لقطع الشفعة؛ وإن لم يشبه أن يكون ثمنها ما بقي بعد الحطيطة لم يحط للشفيع شيء.
وقال ابن القاسم أيضًا: إن كان ما حط مما جرت العادة بحطه في البياعات لحق الشفيع وإن كان كثيرًا مما لم تجر العادة بحط مثله لم يلحقه.
وقال أشهب: يلحقه الحط على الإطلاق، من غير تفصيل.
ولو وجد المبتاع بالشقص عيبًا، وأراد رده على البائع قبل أخذ الشفيع فذلك له. وكذلك إن وجد البائع بالعبد الذي هو عوض الشقص عيبًا فأراد استرداد الشقص قبل أخذ الشفيع، فأما إن كان بعد أخذه فليس له ذلك، ولا تنقص صفقة الشفيع.
ثم هل يقع الاستشفاع بقيمة العبد أو الشقص؟
قولان: الأول لابن القاسم، والثاني لعبد الملك وسحنون. فشبهة ابن القاسم بما لو كان قائماً بيد مشتريه ولم يرده، لأن ذلك الأخذ بيع حادث. ورأى عبد الملك وابن الماجون وسحنون أن القيمة عادت ثمنًا، وهي التي وزن المشتري فيه.
وإذا فرعنا على قول عبد الملك وسحنون، فكانت قيمة الشقص أكثر من قيمة العبد، كان الشفيع بالخيار بين الأخذ بذلك أو الرد، كما لو استشفع على ثمن ثم تبين أن الثمن أكثر منه.
ولو وجد المشتري بالشقص عيبًا بعد أخذ الشفيع لم يكن له طلب أرض، فإن رد الشفيع عليه رد هو حينئذ على البائع.
ولو أطلع على عيب قبل أخذ الشفيع، إلا أنه حدث عنده عيب منع من الرد فأخذ أرشه، فذلك الأرض محطوط عن الشفيع قولاً واحدًا.
وإذا اشترى الشقص بكف من الدراهم لا يعرف وزنه، فليأخذ الشفيع بالقيمة وقيل: تبطل الشفعة.
ولو خرج ثمن المبيع مستحقًا قبل أخذ الشفيع وهو متعين تبين بطلان البيع والشفعة. ولو استحق بعد أخذ الشفيع فهو فوت، ومضى البيع والشفعة، ثم لبائع الشقص على مبتاعه قيمته، كانت أكثر من الثمن أو أقل، ثم لا تراجع بينه وبين الشفيع.
وقال سحنون: إن غرم الشفيع أقل رجع عليه بما بقى، وإن غرم أكثر خير الشفيع بين غرم المزائد أو رد الشقص. وإن كان الثمن مما يكال أو يوزن واستحق بعد أخذ الشفيع رجع البائع بمثل ذلك.
وقال سحنون: يرجع بقيمة الشقص لقواته.
وإن خرج ثمن الشفيع مستحقًا لزمه الإبدال، ولم يبطل ملكه ولا شفعته، وكذلك إذا خرج زيوفاً.
فرع:
من اشترى أرضًا فزرعها واستحق نصفها، وأراد المستحق أن يأخذ النصف الآخر بالشفعة والزرع لم يطلع، فأما النصف المستحق فزرعه للمشتري وعليه فيه الكراء في إبان الزرع، أما النصف المستشفع فهل يبقى زرعه للمشتري ولا كراء عليه فيه، أو يأخذ الشفيع. نصف الأرض بنصف الثمن وقيمة نصد البذر والعمل؟. قولان:
سببهما: الخلاف في أن الأخذ بالشفعة كالاستحقاق أو حكمه حكم البيع. ولو تصرف المشتري بوقف أو هبة نقض، وأخذ الشفيع الشقص وكان الثمن للمشتري، وإن كان ببيع فالشفيع بالخيار بين أن يأخذ بالبيع الأول فينقضه، أو بالبيع الثاني. وكذلك لو توالت عليه بياعات كثيرة، كان له أن يأخذ بأيها شاء فينتقض ما بعده.
ولو تنازع الشفيع والمشتري في العفو عن الشفعة فالقول قول الشفيع.
وأما في قدر الثمن، فقال ابن القاسم: القول قول المشتري إذا أتى بما يشبه مع اليمين، فإن أتى بما لا يشبه فالقول قول الشفيع.
وقال أشهب: القول قول المشتري بلا يمين إن أتى بما يشبه، وباليمين إن أتى بما لا يشبه.
وأما في كون الشفيع شريكًا فالقول قول المشتري فيحلف أنه لا يعرف له شريكًا.
ولو أقر المالك ببيع الشقص وأنكر الآخر الشراء حلف أنه لم يشتر، وتسقط الشفعة، لأن عهدة الشفيع على المبتاع، ولم يثبت له ابتياع.
ولو أقر أنه باع من فلان الغائب فقدم فأقر كتب الشفيع العهدة عليه،
وإن أنكر حلف ورجع، الشقص إلى البائع.
وقال محمد: أحب إلي ألا يرجع وإن أنكر الغائب، لأنه مقر أن الشفيع أحق به بذلك الثمن. قال أبو الحسن اللخمي: وقول محمد أصوب. قال: وأرى أن الحاضر مثله. له الشفعة، لأن المالك مقر بانتقال ملكه، وأن الشفعة واجبة للشفيع، وأن المشتري ظلمه في جحوده.
الطرف الثالث: في تزاحم الشركاء.
وإن توافقوا في الطلب واستوت حصصهم وزع الشقص المشفوع بينهم على قدرها، وكذلك إن تفاوتت حصصهم، فإنه يقسم بينهم على قدرها أيضًا على المنصوص.
واستقى أبو الحسن اللخمي من قول عبد الملك وتعليله في مسألة تقويم الحصة الرقيق من العبد المعتق بعضه على المعتقين المختلفي الحصص أن تكون الشفعة بين الأشراك. المختلفي الحصص على السواء.
فإن طلب بعضهم وترك البعض، فليس لمن طلب الاقتصار على ما يخصه لو طلب الجميع، بل إما أخذ جملة المبيع المشفوع، وإما ترك الأخذ جملة، واحدًا كان الشفيع أو جماعة.
هذا إذا كانوا في الشركة سواء لا خصوصي لبعضهم على بعض، فأما إن كان فيهم من له شرك أخص من غيره من الإشراك فهو أشفع وأولى من غيره ممن له شرك أعم، وذلك كأهل المورث الواحد يتشافعون بينهم دون الشركاء الأجانب، ثم أهل السهم الواحد أولى من بقية أهل الميراث.
وبالجملة: فكل صاحب شرك أخص فهو أشفع، إلا أن يسلم فيشفع صاحب الشرك الذي يليه، أعني الذي هو أعم منه. فإن سلم الآخر شفع من هو أبعد منه، فإذا باعت إحدى الجدتين أو الأختين أو الزوجتين شفعت الأخرى خاصة، فإن سلمت شفع بقية أهل السهام والعصبة، فإن سلموا شفعت الشركاء الأجانب.
ولو باع بعض العصبة كانت الشفعة بني بقيتهم وبين أهل السهام، فيدخل ذوو السهام على العصبة، ولا يدخل العصبة على ذوي السهام، لأن العصبة ليسوا أهل سهم معين.
وقال أشهب: لا تدخل العصبة على أهل السهام ولا أهل السهام على العصبة، بل أهل كل سهم أشفع فيما باع بعضهم مما ورث معهم.
وروي عن مالك أيضًا، أن الشريك الأعم كالشريك، الأخص فيتشافع جميع الأشراك من أهل المورث وغيرهم، فكل من له ملك في المبيع فله حقه من الشفعة فيما يبيعه أحد الشركاء. قال القاضي أبو الحسن: وهو القياس، والأول استحسان.
فرع:
اختلف فيمن أوصى لهم بثلث حائط أو سهم معلوم فباع بعضهم حصته: فروى أشهب أن شركاءه أحق بالشفعة في ما باع من الورثة. قال محمد: وقاله أشهب وابن عبد الحكم.
وقال ابن القاسم: للورثة الدخول معهم، كأهل السهام مع العصبة.
وإذا اتحدت الصفقة والشفيع فلا ينظر إلى تعدد البائعين والمشترين أو الأشقاص، بل إما أخذ الجميع وإما ترك، وكذلك لو اتحدت الصفقة والبائع والمشتري وإن تعدد الشفيع.
وقال أشهب وسحنون: إذا تعددت الأشقاص والمشترون واتحد الشفيع، فله أن يأخذ من أحدهم وإن اتحدت الصفقة.
وقاله ابن القاسم مرة، ثم رجع عنه.
ولو تعدد الشفعاء والأشقاص لكان لكل واحد أن يأخذ ما هو شفيع فيه خاصة.